انتفض الشعب العربي الأحوازي منذ الثامن والعشرين من شهر مارس الماضي، ولاتزال انتفاضته مستمرة رغم قمع الاحتلال الفارسي عبر قتل واعتقال المئات من الرجال والنساء، فضلا عن عسكرة مدن ومناطق الأحواز.
جاءت هذه الانتفاضة التي أطلق عليها “انتفاضة الكرامة الثانية”، ردا على سياسات إيران العنصرية والقمعية، ودفاعا عن هوية أبناء الأحواز العربية وكرامتهم الإنسانية.
تعتبر هذه الانتفاضة استمرارا لنضال وانتفاضات الأحواز التي تجاوزت 17 انتفاضة وثورة منذ عام 1925. كما أنها تأتي بظروف داخلية وإقليمية ودولية استثنائية يمكنها أن تتطور وتحقق أهداف غير متوقعة لأطراف عديدة، وعلى رأسها الشعوب غير الفارسية في إيران، خاصة أن الوضع الداخلي الإيراني على كل الأصعدة يشبه النار تحت الرماد، بحاجة إلى هبة ريح وليس بالضرورة لعاصفة حتى تخرج النار وتحرق الأرض تحت أقدام الاحتلال الفارسي في كل المنطقة.
زفّت انتفاضة الكرامة الأحوازية 11 شهيدا و14 جريحا حرقوا في مقهى “النوارس” فجر يومها السابع من انطلاقتها. يقع هذا المقهى في مدينة الأحواز ويتردد عليه شباب العرب الواعي بقضيته من حي الثورة الذي أشعل انتفاضة الخامس عشر من نيسان 2005.
والتحق هذا الحي بانتفاضة الكرامة الأحوازية، وهذا الأمر يعني الكثير للأحوازيين وللنظام الإيراني على حد سواء، لما لهذا الحي من تاريخ مشرف في مواجهة الاحتلال الفارسي وصموده بوجه المخططات الإيرانية.
لا يستغرب المتابع لشأن الإيراني وللجرائم الذي ارتكبها نظام ولي الفقيه طيلة أربعة عقود بحق الشعوب في إيران من مجازر وقتل جماعي بأساليب وسناريوهات مختلفة، بدء من مجزرة سينما “ركس” في عبادان عام 1978 والذي راح ضحيتها نحو 600 قتيل، ومرورا بمجزرة “أربعاء السوداء” في المحمرة عام 1980 ووصولا بالمجزرة التي عرفت بتطهير السجون الايرانية عام 1988، التي راح ضحيتها نحو ثلاثين ألف سجين.
لم تمحى بعد من الذاكرة الجماعية الأحوازية أساليب وطريقة حرق الأحوازيين بحادثة سينما “ركس” في عبادان وهم أحياء من قبل نظام ولي الفقيه، بل تبادرت في الأذهان سريعا تلك الحادثة عند وقوع محرقة مقهى النوارس.
وجمعت الحادثتان أسلوبا واحدا وظروفا متشابهة. في الحادثتين تم إغلاق الباب من الخلف بعد إضرام النار حتى لا يتمكن أحد من الخروج، في حين أن الظرفين كانا غير عاديين، حيث تصادف الحدثان مع احتجاجات ومظاهرات شعبية عارمة تطالب بالحق الأحوازي في الحرية والحياة الكريمة.
حاول النظام الإيراني منذ الساعات الأولى للحادث الأليم أن يحرف الحقيقة ويخلق فتنة بين أبناء الشعب الواحد لينال منه ومن انتفاضته الشجاعة. وفي مسرحية هزيلة اعتقل النظام الإيراني مراهقا أحوازيا لا يتجاوز عمره السابعة عشر عاما، وبعد ساعات قليلة فقط، ظهر على القنوات التلفزيونية الإيرانية وهو يعترف بجريمته، تحت ذريعة تعرضه للتهديد وشتم من قبل صاحب المقهى عبر الهاتف. وما يفضح هذه المسرحية، أن المراهق ظهر بمظهر طبيعي ومريح، لا تظهر عليه لأي ملامح الخوف أو الفزع من هذه الحادثة الكبيرة التي هزت الأحواز برمتها.
أهداف المحرقة وتنافض الشهادات
تثبت عملية حرق مقهى النوارس وتوقيتها لأن العملية كان مخطط لها مسبقا وبشكل مدروس، لإيقاع أكبر عدد من الضحايا لتحقيق جملة من الأهداف أهمها:
أولا: إرباك الانتفاضة الأحوازية التي دخلت منعطفا مهما وجريئا، وفشل النظام الإيراني في إخمادها رغم قمعها بقسوة.
ثانيا: إدخال الشعب العربي الأحوازي بصراع قبلي بعد أن فشل النظام الإيراني إدخاله مسبقا في صراع طائفي.
ثالثا: تسليط الضوء والاهتمام بهذه الحادثة المريعة ومتابعة أحداثها وتداعياتها والهاء الناشطين الأحوازيين بمنع حدوث انعكاسات سلبية في المجتمع الأحوازي بدل متابعة أهداف ومطالب انتفاضة الكرامة الأحوازية.
رابعا: زرع الخوف والرعب في نفوس الأحوازيين خاصة المنتفضين.
لا يمكن أن يقف خلف محرقة “النوارس” بتفاصيلها وأهدافها، مراهقا، رد على “شتيمة” تعرض لها عبر الهاتف. وحسب ما قال شهود العيان إنهم شاهدوا نحو 12 عشر برميل في مخزن المقهى، (تبين في ما بعد أنها مملوءة بالبنزين سريع الاشتعال)، وشعروا بحركة غير طبيعية في المقهى قبل نصف ساعة من حدوث المحرقة، ثم أصوات وإضرام النار وهروب أشخاص غير معروفين من المقهى.
وتحدث أحد الجرحى من المستشفى خلال تقرير بثه التلفزيون الإيراني، قائلا إن من اضرم النار هو أحد عمال المقهى، لكن اعتراف المراهق المعتقل عند السلطات الإيرانية، يفند هذا الادعاء، حيث قال المعتقل إن صاحب المقهى هدده وشتمه عبر الهاتف، لذلك قام بهذا العمل انتقاما منه.
وأشارت المعلومات والشهادات الناجين والقريبين من الحادث إلى أن الجهة التي قامت بالعمل أغلقت الباب من الخلف أثناء الحريق حتى لا يتمكن أحد من الخروج. وأكد عملية إغلاق الباب من الخلف، الشهود العيان الذين ظهروا في تقارير التلفزيون الإيراني وقالوا إن فريق الإطفاء لم يتمكن من فتح باب المقهى واضطر إلى هدم سقف المقهى ليتمكن من إطفاء الحريق.!!!
ختاما، اذا قام هتلر النازي بمحارق خلال الحرب العالمية الثانية التي استمرت نحو 6 سنوات، فان هتلر الشرق الأوسط خامنئي وقبله الخميني، قام ولايزال يقوم بعشرات المحارق منذ 4 عقود، ومحرقة “النوارس” في الأحواز المحتلة لن تكون الأخيرة الإ اذا واجه هتلر الجديد مصير هتلر القديم، اليوم قبل غدا.
مصدر: سکای نیوز العربیە