الانتفاضة الشعبية في إيران… أسبابها ومآلاتها ومستقبلها

0
1538

3 ملايين إيراني فقدوا أموالهم بسبب إفلاس المؤسسات المالية والبنوك خلال الأعوام الثلاثة المنصرمة

لندن – يوسف عزيزي

* يعاني المواطن الإيراني من البطالة والركود الاقتصادي والغلاء والتفاوت الطبقي والقومي.
* يمكن وصف الاحتجاجات الأخيرة بأنها انتفاضة المحيط ضد المركز.
* تخطت الانتفاضة الشعبية، ثنائية الإصلاحي – الأصولي، واستهدفت مجمل الجناحين الحاكمين، وبعضها استهدف النظام برمته.
* إذا لم تكن هناك دولة ديمقراطية حقيقية وعدالة نسبية في توزيع الثروة بين الطبقات والقوميات، فلن تشهد إيران الاستقرار الدائم بعد الآن.
شهدت إيران حراكاً جماهيرياً شعبياً احتجاجياً خلال عشرة أيام (28/ 12/ 17 – 7/ 1/ 18) هز أركان النظام وتضمن أحياناً حالات من العنف. فرغم انحسار وهج هذا الحراك، غير أنه لم يخفت نهائياً. فمن أجل معرفة ما جرى في إيران وما يمكن أن يتبعه في المستقبل يجب أن نقرأ الحالة الاقتصادية والسياسية للمجتمع الإيراني، ومن ثم نتطرق إلى ما يمكن أن تؤول إليه الأوضاع مستقبلا.

خلفيات الأزمة
1 – 1 وفقاً لمؤسسة بحوث أميركية، انخفض الناتج القومي الإجمالي GNP لإيران من 700 مليار دولار إلى 380 مليار دولار خلال السنوات الماضية. وقد أكدت وكالة «تسنيم» الإيرانية شبه الرسمية نقلا عن صندوق النقد الدولي ذلك قائلة: «تحدث صندوق النقد الدولي عن انخفاض الناتج القومي الإجمالي خلال الفترة الأولى لحكومة حسن روحاني بنسبة 268 مليار دولار، وقد يستمر هذا الانخفاض في العام الإيراني الحالي (21 مارس/ آذار 2017 – 20 مارس 2018) بنسبة 8 مليارات دولار أخرى مقارنةً بالعام الماضي».
2 – 1 يعيش نحو 20 مليون إيراني في مدن الصفيح أو مناطق السكن العشوائي، بما فيها المقابر والشوارع والحدائق العامة.
3 – 1 تتحدث الإحصاءات الإيرانية عن نحو 15 مليون عاطل عن العمل في إيران بشكل نسبي ومطلق، بما فيهم عدد لا بأس به من أصحاب شهادات الدكتوراه والماجستير والمهندسين وأصحاب الشهادات الجامعية الأخرى.
4 – 1 نحو 40 مليون إيراني يعيشون في حالة فقر نسبي أو مطلق.

5 – 1 ثلاثة ملايين شخص فقدوا أموالهم بسبب إفلاس المؤسسات المالية والبنوك خلال الأعوام الثلاثة المنصرمة.
6 – 1 يشرف المرشد الأعلى علي خامنئي على نحو 50 في المائة من الاقتصاد الإيراني وهو خارج عن إطار إشراف الحكومة ويشمل هذا مؤسسة المستضعفين، والعتبة الرضوية (وإيراداتها من النذور والمؤسسات والشركات التابعة للعتبة الرضوية التابعة إلى إدارة ضريح الإمام الرضا، الإمام الثامن للشيعة المدفون في مدينة مشهد)، وإيرادات سائر العتبات والمزارات والمقامات الدينية، وكذلك ما يوصف بمكتب تنفيذ فرمان الإمام الخميني (ستاد إجرائي فرمان إمام) وهو يشرف على أموال وشركات تابعة للمرشد الأعلى تنشط في المجالات المصرفية والمالية والنفط والاتصالات وتربية المواشي وإنتاج الأدوية.
وعلى هذا الأساس، صرح الرئيس الإيراني حسن روحاني قبل أيام أن 200 مليار تومان من 350 مليار تومان من الميزانية الإيرانية لعام 1397 أي العام الإيراني المقبل ليست بيد الحكومة (كل دولار 5000 تومان).
ويعاني المواطن الإيراني من البطالة والركود الاقتصادي والغلاء والتفاوت الطبقي والقومي، وذلك رغم محاولات روحاني للحد من ارتفاع وتيرة الغلاء في البلاد.

نماذج للمقارنة بين ميزانية المؤسسات الدينية والقمعية ونظائرها المدنية

نشير هنا إلى نماذج للمقارنة بين حصة المؤسسات الدينية والقمعية ونظائرها المدنية من ميزانية العام الإيراني المقبل والتي فجر الإعلان عنها، الوضع السياسي المحتقن في إيران.
بلغت حصة المجلس الأعلى للحوزات الدينية في قم 440 مليار تومان، قياسا بـ327 مليار تومان لجامعة تبريز (عاصمة إقليم أذربيجان) و256 مليار تومان لجامعة مشهد (عاصمة إقليم خراسان). وتُعد حصة المجلس الأعلى للحوزات الدينية هذه أكبر من حصة 4 وزارات و3 مؤسسات حكومية.
ولم تنتج الحوزات الدينية في إيران إلا الملالي ورجال الدين الذين لم يؤدوا الخدمة العسكرية ولم يقدموا أي إنتاج مفيد للمجتمع الإيراني.
وبلغت حصة جامعة المصطفى وهي حوزة دينية دولية لتربية الكوادر التابعة لولي الفقيه في الدول العربية والعالم، بلغ 303 مليارات تومان قياسا بـ216 مليار تومان حصة جامعة الأهواز (عاصمة إقليم عربستان) و254 مليار تومان حصة جامعة بولي تكنيك العريقة في طهران و168 مليار تومان حصة جامعة كرمان عاصمة إقليم كرمان. وتربي جامعة المصطفى، كوادر ودعاة يشاركون في أعمال إرهابية أو يعملون لنشر المذهب الشيعي على أساس مبدأ ولاية الفقيه في العالم العربي وأفريقيا وسائر أنحاء العالم.
كما تم تخصيص 94 مليار تومان من الميزانية لمؤسسة ممثلي ولي الفقيه في قوات الحرس الثوري الإيراني، فيما تم تخصيص 57 مليار تومان لمؤسسة الطيران المدني. وتضم مؤسسة ممثلي ولي الفقيه جميع ممثلي المرشد الأعلى الذين يشرفون على أداء قادة الحرس الثوري في الأقاليم والمحافظات الإيرانية وهي مؤسسة طفيلية غير دستورية. فيما تعاني مؤسسة الطيران المدني من شح الميزانية لتحديث طائراتها القديمة التي سقط الكثير منها بشكل غير عادي خلال الأعوام الماضية وقُتل خلالها العشرات من المواطنين.
وقد بلغت حصة منظمة الدعاية الإسلامية (سازمان تبليغات إسلامي) في الميزانية 169 مليار تومان أي ما يعادل حصة وزارتي الزراعة والتعليم العالي في إيران.
وتصل ثروة مجتبى خامنئي – نجل المرشد الأعلى علي خامنئي – ملياري دولار، فيما لا تقل ثروة أصغر أشقائه عن 500 مليون دولار.

إيرادات النفط والفجوات الاجتماعية في إيران
قد بترت الثورة في العام 1979 رأس الهرم الاجتماعي في إيران والذي كان يضم الشاه وحاشيته من البلاط الشاهنشاهي والرأسماليين الكبار التابعين له. غير أنه وبالتدريج نبتت في رأس الهرم، فئة جديدة منتفعة من الريع النفطي تضم المرشد الأعلى وأبناءه، كما تضم القادة الكبار في الحرس الثوري ورجال الدين والمراجع التابعة للنظام والمسؤولين الكبار وأبناءهم المعروفين في إيران بـ«آغازاده» أي أبناء الأغاوات.
يشكل النفط 80 في المائة من صادرات إيران ويستخرج معظمه من إقليم عربستان، لكن الإيرادات الناتجة عن تصديره لا تكفي لتأمين حاجيات أكثر من 80 مليون إيراني، إذ يجب أن تصدر إيران 25 مليون برميل يوميا بدل التصدير الحالي وهو مليونان و500 ألف برميل يوميا. فلذا يعادل نصيب الفرد من الدخل القومي حاليا أقل من نظيره في جمهورية بوتسوانا في أفريقيا.
ويعاني المجتمع الإيراني من فجوات (بل فوالق) طبقية، وقومية، وجنسية، وجيلية. وقد فاق التفاوت الطبقي الشاسع مما كان عليه في عهد الشاه، أضف إلى ذلك التفاوت الاجتماعي بين المركز والمحيط؛ وقد تجلى ذلك في الاحتجاجات والمظاهرات الشعبية الأخيرة. ويعود الأمر أساسا إلى التنمية غير المتكافئة بين الأقاليم الفارسية في المركز كطهران وأصفهان وشيراز من جهة، والأقاليم ومدن المحيط أي إقليم عربستان وكردستان وبلوشستان وأذربيجان وتركمان، بل وحتى المدن الفارسية السنية كميناء بندر عباس التي أبلت بلاء حسنا في هذه الانتفاضة. إذ يمكن لي أن أصف الاحتجاجات بانتفاضة المحيط ضد المركز.

يمكننا أن نتحدث عن مسلسل أو دائرة «الاستبداد، الفوضى، الاستبداد» في تاريخ الإمبراطورية الفارسية وعن دائرة «الاستبداد، الثورة، الاستبداد» في التاريخ الإيراني المعاصر.
1 – 2 الاستبداد: العامل الأهم في هذه الدائرة وهو جوهري في نظام ولاية الفقيه. ويقر دستور الجمهورية الإسلامية الإيرانية (المعدل في 1989) بولاية الفقيه المطلقة. وفي الواقع يعد الاستبداد الديني ناتجا عن الاستبداد الملكي في إيران واستمرارا له، إذ تفوق صلاحيات ولي الفقيه، صلاحيات الشاه الاستبدادية. فالاستبداد يعد أمرا جوهريا في نظام الجمهورية الإسلامية فيما يمكن أن نعتبر القضايا الاقتصادية أمورا عرضية.
2 – 2 تناقض في الدستور: يعاني الدستور الإيراني من تناقض صارخ بين المؤسسات المنتخبة والأخرى غير المنتخبة، رغم أن المنتخبة منه أيضا لم تنتخب ديمقراطيا. أي أن النظام قائم على الاستبداد الديني – رغم الانتخابات الشكلية – وانتهاك حقوق الإنسان بشكل واسع.
3 – 2 حراكان مهمان: نشهد من خلال قراءتنا للمجتمع الإيراني خلال العقود العشرة الماضية، أي منذ ثورة الدستور في أوائل القرن العشرين حتى الآن، حراكين شعبيين بين الحين والآخر. الأول، حراك من أجل العدالة الاجتماعية والآخر، حراك من أجل الحرية. وتقوم بالأول عادة الطبقات المسحوقة وبالآخر الطبقات الوسطى. فعندما يمتزج الحراكان يتمكنان من إسقاط الأنظمة وأفضل دليل على ذلك ثورة فبراير (شباط) 1979.
فوفقاً لذلك شهدت إيران بعد انتهاء الحرب الإيرانية – العراقية، ثلاث انتفاضات شعبية، أي انتفاضة كل عشر سنوات.
في العام 92 – 93 (في عهد رفسنجاني) شهدت بعض المدن الإيرانية احتجاجات على الغلاء وضنك الحياة الاقتصادية، قامت بها الطبقات المسحوقة، أدت إلى اضطرابات وفوضى عمياء سقط وأعدم خلالها العشرات من المتظاهرين، غير أن الطبقات الوسطى لم تلتحق بها.

في العام 1999 انتفض طلاب الجامعات في طهران وتبريز وبعض المدن الأخرى دون أن تلتحق بهم الطبقات الفقيرة مما أدى إلى إخمادها من قبل قوات الحرس الثوري.
في العام 2009 عمت المظاهرات المناوئة للنظام إثر التزوير في نتائج الانتخابات الرئاسية لصالح أحمدي نجاد. وقد انطلقت الاحتجاجات تحت شعار «أين صوتي؟» واستمرت نحو ستة أشهر، غير أن النظام تمكن من إخمادها. وقد بلغ عدد المشاركين آنذاك في إحدى المظاهرات في طهران نحو ثلاثة ملايين غير أنها انحسرت بسبب ابتعاد الطبقات الفقيرة منها وعدم مشاركة القوميات غير الفارسية فيها واعتقال قادتها ميرحسين موسوي ومهدي كروبي.

نطاق الانتفاضة الأخيرة

انطلقت الانتفاضة من مدينة مشهد التي يسكن في مساكنها العشوائية نحو مليون و200 ألف شخص، واتسعت بعد ذلك في معظم المدن الصغرى والمتوسطة ولم تشارك فيها المدن الكبرى والعاصمة بشكل واسع. أي يمكن القول: إن الطبقات المسحوقة هي التي تحملت عبء هذه الانتفاضة ولم تلتحق بها معظم فئات الطبقة الوسطى، وهذا ما يميزها عن انتفاضة 2009.
كما تحفظت بعض القوميات غير الفارسية من المشاركة بكل طاقاتها بسبب بعض الهتافات العنصرية والموالية للملكية البائدة. فإذا تحدثنا بالأرقام يمكن أن نشير إلى الأرقام التالية: فمشاركة الشعوب غير الفارسية كانت كالتالي؛ البلوش 25 في المائة، الأذريون 40 في المائة، العرب 50 في المائة والكرد 50 في المائة.
وقد كان المتوسط العمري للمتظاهرين بين 18 – 30 سنة.

الهتافات ومعانيها
بدأ المحتجون في مشهد بهتافات «الموت لروحاني» و«الموت للديكتاتور»، وسرعان ما تطورت الأمور وأصبح الموت «للديكتاتور» و«الموت لخامنئي» الهتاف الأول في كل أنحاء إيران.
فمن الهتافات الأخرى يمكن أن نشير إلى «الآغا (خامنئي) يعمل كالرب والأمة تتسول»، «استخدمتم الإسلام كالسُلم لتذلوا الأمة»، «يجب إعدام المفسد الاقتصادي»، «اخجلوا يا رجال الدين»، «الحرامية تُسرق والحكومة تدعم»، «إطلاق سراح السجين السياسي»، «دعنا من سوريا ولبنان، فكر بحالنا»، «لا للإصلاحيين ولا للأصوليين»، «مبارك، بن علي، دورك يا سيد علي»، «الموت لحزب الله»، «الموت للجمهورية الإسلامية»، «خبز، عمل، حرية»، «استقلال، حرية، جمهورية إيرانية»، «نحن آريون، لا نعبد العرب»، «رضا شاه عليك الراحة والسلام»، «إيران دون الشاه لا حساب لها ولا كتاب».
والمثير في الأمر أن الانتفاضة الشعبية تخطت في شعاراتها، ثنائية الإصلاحي – الأصولي، واستهدفت مجمل الجناحين الحاكمين بل وبعضها استهدف النظام برمته وأعني بذلك هتاف «الموت للجمهورية الإسلامية» والذي رددته الجماهير في مدينة قم، العاصمة الروحية للنظام الإسلامي. كما سمعنا هتافات تمتدح رموز الملكية البائدة بما فيها الشاه رضا بهلوي مؤسس السلالة البهلوية. أما الأخطر من هذا كله فهو شعار «نحن آريون لانعبُد العرب» الذي يتضمن نفَساً عنصرياً معادياً للعرب ويثير اشمئزاز العرب والأتراك الأذريين اللذين لا يعتبران نفسيهما من العرق الآري وكذلك سائرالشعوب غير الفارسية. وقد أثرت الهتافات الملكية والعنصرية سلبا على مشاركة هذه الشعوب بكل ثقلها في الانتفاضة.
وقد لمسنا اتجاها قوميا فارسيا في هتافات المحتجين في المدن الفارسية وبعض المدن اللورية (المنتسبة للقومية اللورية) وآخر معاديا لرجال الدين والمؤسسات الشيعية تمثل في إحراق الكثير من الحسينيات والحوزات الدينية ومكاتب أئمة الجمعة وبعض المساجد، لم يشهد التاريخ الإيراني مثيلا له، إذ تجاوزت الشعارات الخطوط الحمراء السياسية بل والآيديولوجية – المذهبية.

القوى الفاعلة في الانتفاضة الشعبية
عند دراستنا للهتافات والاتجاهات يمكن أن نلاحظ تأثير منظمة مجاهدي خلق والملكيين وقوى القوميات غير الفارسية واليسار – بعض الشيء – على هتافات المحتجين والمتظاهرين.
وقد حالت الاعتقالات الوقائية لنحو تسعين طالبا في جامعة طهران والجامعات الأخرى خلال الأيام الأولى للانتفاضة، دون التحاق الطلبة كطلائع للطبقة الوسطى لمنع اتساعها بين فئات من هذه الطبقة. وكان تخوف السلطات الإيرانية أكثر عندما نعلم أن معظم هؤلاء الطلبة ينتمون إلى اليسار العلماني المعارض والمتغلغل في الجامعات الإيرانية.
أعلن البرلماني الإيراني مرتضى صادقي عن اعتقال نحو 3700 شخص في كل أنحاء إيران خلال الانتفاضة الشعبية. كما قُتل نحو 30 شخصا منهم خمسة أشخاص تحت التعذيب في السجون. وقد علمت من نشطاء حقوقيين أن السلطات الإيرانية اعتقلت أكثر من 1300 شخص في مدن إقليم عربستان، 1000 منهم عرب، أي نحو 25 في المائة من كل المعتقلين في إيران، رغم أن نسبة هذه المدن لا تشكل إلا 6 في المائة من كل سكان إيران.
فلم تنضم تبريز عاصمة إقليم أذربيجان وبعض مدن هذا الإقليم إلى الهبة الأخيرة، ولو انضمت لتلقى النظام لطمة عنيفة وربما حاسمة، والسبب يعود إلى تحفظات الترك الأذريين على الهتافات العنصرية والموالية للملكية. كما لم يشارك العرب والبلوش والكرد بكل طاقاتهم البشرية كما شاركوا في ثورة 1979.
ويقول الأذريون – الذين يشكلون 25 في المائة من سكان إيران – إنهم لا يريدون تكرار خطأ الثورة السابقة حيث «كنا نعرف ما لا نريد لكن لم نكن نعرف ماذا نريد».
ويبدو أن الأتراك الأذريين وسائر الشعوب غير الفارسية لم تُصدر هذه المرة شيكا أبيض لصالح الفرس الذين يقودون الانتفاضة، ولم يؤيدوا كل شعاراتهم بل إنهم – أي غير الفرس – يؤكدون على أن يكون النظام المقبل جمهوريا ديمقراطيا تعدديا لا مركزيا.

مستقبل النضال ضد النظام الإيراني
تُعد هذه الانتفاضة أكبر تحدٍ للنظام الإيراني ونقطة انعطاف، زال من خلالها الخوف من قلوب الناس. فلا رجوع بعد الآن عن الشعارات المطالبة بإسقاط خامنئي ونظامه لاستبدادي، لكن لا يمكن القول: إن النظام آيل للسقوط الفوري. إذ يجب أن نأخذ بالاعتبار أن نحو 10 في المائة من سكان إيران لا يزالون موالين للنظام ومستعدين للتضحية في سبيله، وكذلك هناك قوة الحرس الثوري القمعية، وأن الوضع يختلف عما كان عليه عشية الثورة المعادية للشاه في 78 – 1979. لكن لا يشك أحد أن إيران بعد هذه الانتفاضة لن تكون كقبلها. وقد أبطلت الانتفاضة الشعبية أطروحة «جزيرة الاستقرار» التي كان يتبجح بها النظام وأزلامه.
فعلى مستوى السياسة الخارجية، لا أتصور أن يغير خامنئي من سياساته التوسعية في الدول العربية وسيستمر العداء بين نظام الجمهورية الإسلامية ودول الخليج ومصر والولايات المتحدة الأميركية وإسرائيل. وسيتعمق الخلاف بين أركان السلطة وحواشيها، أي بين الرئيس حسن روحاني وحكومته من جهة، وخامنئي وقادة الحرس الثوري من جهة أخرى حول طريقة مواجهة الاستياء العام في البلاد، إذ صرح روحاني أن الاستياء الجماهيري ليس اقتصادياً فقط، بل وسياسياً بامتياز، فيما رحّل خامنئي الأمور إلى الخارج متهماً الإدارة الأميركية وإسرائيل بإثارة المشاكل والاضطرابات في البلاد. كما سيستمر أحمدي نجاد وجماعته في عدائهم للأخوين رئيسي في السلطتين القضائية والتشريعية.

فمن المستبعد أن يتمكن النظام من القيام بعملية جراحية بنيوية تؤدي إلى إصلاح النظام سياسيا واقتصاديا، ونحن نعلم أن أي إصلاح في الأنظمة الاستبدادية سيؤدي إلى تقدم القوى المعارضة ومن ثم الجماهير المنتفضة.
الانتفاضة الشعبية أكدت على معارضة قوية لخامنئي وأزلامه في المجتمع الإيراني وأنها بداية ليس لانهيار سياسي فحسب بل انهيار آيديولوجي. وقد شهدنا هذا مؤخراً في إحراق الحوزات الدينية والحسينيات وبعض المساجد.
ويشهد المجتمع الإيراني مخاضاً عسيراً، من مميزاته الصراع بين الخطاب الديني المسيطر والخطاب العلماني المعارض. أضف إلى ذلك موقف الإدارة الأميركية الضاغط سياسيا واقتصاديا على السلطة الإيرانية وكذلك موقف الدول الإقليمية المعادي للتدخلات الإيرانية في المنطقة. فرغم عدم مسايرة الدول الأوروبية لسياسات الولايات المتحدة وصمتها إزاء انتهاك حقوق الإنسان الصارخ خلال الاحتجاجات الأخيرة في إيران، فإن هذا الأمر وموضوع الصواريخ الباليستية سيشقان الموقف الأوروبي أكثر فأكثر لصالح الجبهة المنتقدة لإيران في المستقبل.

فلن تبلغ الانتفاضة أهدافها إلا إذا تم استنزاف جبهة الموالين للنظام وقوات الحرس الثوري وذلك باستئناف المظاهرات والاحتجاجات وإكمالها بالإضرابات والاعتصامات العمالية وغير العمالية. وفي الواقع لم تنقطع احتجاجات عوائل السجناء والعمال والمتقاعدين والمعلمين والذين فقدوا أموالهم بسبب إفلاس البنوك حتى بعد انحسار الانتفاضة، ونحن نشاهد ذلك ولو على مقياس صغير في بعض المدن الإيرانية. ومن المحتمل أن تتطور هذه الظواهر الصغيرة لتتحول إلى ظاهرة كبيرة مستقبلا.

وكما كتبت سابقا فإن إيران ليست دولة، بل وريثة لإمبراطورية تضم عدة شعوب وإثنيات، وإذا لم تكن هناك دولة ديمقراطية حقيقية وعدالة نسبية في توزيع الثروة بين الطبقات والقوميات، فلن تشهد البلاد الاستقرار الدائم بعد الآنيوسف عزيزي
المصدر مجلة المجلة