سياسة عض الأصابع بين الأصوليين والإصلاحيين

0
1388

 د. جابر أحمد

مع اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية في إيران والتي من المقرر إجراؤها في مايو المقبل من عام 2017 دعا الرئيس الأسبق للجمهورية الإسلامية الإيرانية وأحد رموز التيار الإصلاحي محمد خاتمي إلى «إجراء مصالحة وطنية» مشيراً إلى أنه في ظل تردي الوضع الداخلي والتهديدات الخارجية فإن المرحلة الراهنة هي «أفضل وقت لإجراء المصالحة الوطنية وإيجاد الوحدة والانسجام بين كافة القوى على اختلاف توجهاتها وذلك من أجل مواجهة التهديدات الخارجية».

إلا أن دعوة من هذا القبيل سرعان ما تم رفضها جملةً وتفصيلاً من قبل علي خامنئي وذلك في خطابات كررها أكثر من مرة معتبراً أن هذه الدعوة لا معنى لها، متسائلاً، «لماذا يتم الحديث عن المصالحة هل المواطنون على خلاف فيما بينهم»؟.
ولكن فيما إذا دققنا في الأهداف التي ينشدها خاتمي من وراء هذه الدعوة وتوقيتها نرى أنها تدعو بالأساس إلى رفع الإقامة الجبرية عن رموز الإصلاحيين وهم كل من مير حسين موسوي ومهدي كروبي المحتجزين بأمر من خامنئي بعد الاضطرابات التي شهدتها طهران احتجاجاً على نتائج الانتخابات الرئاسية لعام 2009.
ولكن السؤال الذي يطرح نفسه هو لماذا تم رفض دعوة من هذا القبيل من قبل مرشد النظام على خامنئي؟ وما هي الأسباب الكامنة وراء ذلك؟
وللإجابة على هذا السؤال وغيره يمكن القول إن السيد علي خامنئي على علم كامل باستطلاعات الرأي العام الإيراني من مواقفه التي أصبحت لا تحتمل، إلا أنه ليس على استعداد لتغيير سياسته لتنسجم مع رغبات المواطنين لأنه يعتبر نفسه يقف على رأس الجمهورية الإسلامية، ويجب عليه أن يكون قائداً للعالم الإسلامي في مواجهة أمريكا بل الاستكبار العالمي بأسره، وفي مثل هذه الحالة يجب أن يكون الداخل هادئاً وواقعاً تحت سطوته وذلك كي يتمكن من تنفيذ ما يسمى «النضال في سبيل العالم الإسلامي»، كونه يعتقد أن ذلك بدوره يؤدي إلى «قوة البلاد» أيضاً، لكن انتهاج سياسة من هذا القبيل لا تجري بما يشتهي خامنئي وأنها بحد ذاتها تؤدي وبشكل عفوي إلى ظهور المحاور والاصطفاف داخل المجتمع الإيراني بما فيهم الإصلاحيين.
لقد أثبتت الأحداث أن المجتمع الإيراني تواق إلى نيل حريته والتحرر من سلطان الولي الفقيه، ولكن هذا ما لا يدركه خامنئي لأنه بحكم انتمائه العقائدي لا يعتقد بالتغيير، ولكن مما لاشك فيه وعلى ضوء ما مرت به إيران مستعد لإبداء مرونة تجاهها، لذلك فإن ردود أفعال المواطنين وموقفهم إزاء سياسته مؤثرة ومهمة للغاية وهذا الأمر يتطلب تحديًا جماهيريًا يشبه تحدي 2009 وفي هذا المجال يعتقد بعض رموز الإصلاحيين انه تم تقديم عريضة موقعة من الملايين من المواطنين إلى علي خامنه أي عندئذ سوف يتغير موقفه 100% أن أو سوف تضعف وهذا ما لمسناه عندما وافق على عقد الاتفاق النووي وقيامه بتبادل الرسائل مع أمريكا لأنه أدرك أن الرأي العام الإيراني مع عقد الاتفاق النووي لأنه لم يعدْ تحمل المزيد من العقوبات الاقتصادية.
من هنا فإن خلافات خامنئي مع قادة الإصلاحيين هي ليست خلافات شخصية، وإنما هي خلافات سياسية عميقة، فإذا ألغيت الإقامة الجبرية عن مير حسين موسوي ومهدي كروبي، سوف تشهد الساحة الإيرانية دخول وجهين مدنيين معارضين بشدة لخامنئي ولهما قاعدتهما الجماهيرية وداخل النظام نفسه، وبالتالي فإن أي موقف سياسي سوف يتخذانه سواءً على المستوى الداخلي أو الخارجي سيكون على نقيض من مواقف خامنئي.
ويجب أن لا يفوتنا القول إن مواقفهما وإن كانت ستعطي النظام جرعة من المقبولية وبالتالي تساعد على استقراره كما،حدث خلال الـ 38 سنة الماضية، ولكن خامنئي يدرك جيداً أن أي حديث عن رفع الإقامة الجبرية هو ليس لصالحه وإهانة لمكانته الدينية، ولهذا السبب فإنه لن يوافق على رفع الإقامة الجبرية عن كل من مير حسين موسوي ومهدي كروبي تحت أي ظرف من الظروف.
كما يرى البعض أن الدعوة إلى المصالحة الوطنية التي أطلقها السيد محمد خاتمي فيما إذا تم قبولها فمن شأنها أن تحد من السياسات المتطرفة التي ينتهجها الأصوليون وقد تؤدي إلى تقوية المجتمع المدني، ولكن مثل هذه الدعوة تتعارض كلياً مع نهج خامنئي ودعوته للتأكيد على استمرارية الثورة الإسلامية والدفاع عن ما يسمى بمستضعفي العالم والتدخل في شؤون بلدان الغير حتى وإن كانت على حساب لقمة المواطن الإيراني.
والسؤال الذي يطرح نفسه هو هل أن خطب أئمة الجمعة في جميع أنحاء إيران وفي مقدمتهم خطبة إمام جمعة طهران السيد أحمد خاتمي لرفض «المصالحة الوطنية» جاءت لتقطع «شعرة معاوية» الموجودة بين الأصوليين والإصلاحيين؟
إن أولئك الذين يدعون إلى المصالحة الوطنية يتطلب منهم التدقيق في الحالة التي وصلت إليها البلاد في ظل حكم الولي الفقيه وابنه مجتبى خامنئي وحلفائهم من الحرس والبسيج ومن لف لفيفهم، هل نظام الولي الفقيه قابل للإصلاح أم لا؟ وإلا فإن دعوات من هذا القبيل ليس لها أي قيمة بين الأوساط الشعبية الإيرانية وذلك بعد أن اتسعت الهوة بين الحاكم والمحكوم وبات القمع والتعامل الأمني مع المواطن هو سيد الموقف.

نقلا عن : صحیفة الأیام البحرینیة