عرب الأهواز وبناء الدولة – الأمة في إيران

0
1515
صورة أرشيفية لرجل أهوازي يعيش حياة الفقر ونمط حياة متقشف يجلس على مسار ترابي في بلدة الأهواز في مقاطعة خوزستان /غرب إيران – 1955(غيتي)

استغل رضا خان البهلوي الفوضى الناجمة عن ثورة الدستور ليعلن نفسه ملكا على بلاد فارس

لندن – يوسف عزيزي

* عملية الوعي القومي بين الشعوب غير الفارسية تجلت خلال العقدين الماضيين بعد قمعها خلال العقد الأول والثاني من عمر الثورة الإسلامية.
* في عام 1436م نشأت «مملكة عربستان» على يد محمد بن فلاح المشعشعي كمملكة مستقلة لمدة قرن واحد.
* كانت ثورة الدستور أو «ثورة المشروطة» (1906 – 1909) كما وصفها الإيرانيون، انطلاقا لنشوء الدولة – الأمة في إيران.
* يطالب الناشطون من القوميات غير الفارسية بنقد خطاب التفريس. وبدأت بعض النخب الفارسية تتعاطف مع هذا الطلب.

يؤكد كثير من المؤرخين أن العرب – ومنذ قبل الإسلام – كانوا يقطنون كل المناطق الجنوبية مما يوصف حاليا بنجد إيران، من كرمان شرقا إلى عربستان غربا. وهذا ما نقرأه في كتاب «المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام» للباحث العراقي الدكتور جواد علي، ويؤكده الباحث الإيراني باقر مؤمني في كتابه «سرزمين عرب در استانه حاكميت إسلامي»، إذ يقول إن العرب هاجروا إلى هذه الأرض قبل هجرة «الآريين» إلى إيران قبل 3 آلاف عام. فيما يدعي المؤرخ الإيراني أحمد الكسروي في كتاب «شهرياران كمنام» أن العرب جاءوا من الجزيرة العربية إلى جنوب إيران في عهد السلالة الأشكانية (الإمبراطورية البارتية 247 قبل الميلاد – 224 ميلادي) ويشير إلى قبيلة بني تميم كأولى القبائل العربية التي سكنت هذه المنطقة.

مملكة عرب ستان

ويخبرنا محمد بن جرير الطبري في كتابه «تاريخ الأمم والملوك» عن السكان العرب لمنطقة الأهواز وعاصمتها «سوق الأهواز» وعن «هرمزان» حاكم الأهواز المفروض على هؤلاء العرب من قبل الشاهنشاه يزدجرد الساساني عشية الفتح الإسلامي.
وفي عام 1436م نشأت «مملكة عربستان» (1436 – 1724) على يد محمد بن فلاح المشعشعي كمملكة مستقلة لمدة قرن واحد، ومن ثم مملكة ذات حكم ذاتي واسع لمدة قرنين. وقد أطلق الشاه طهماسب الصفوي (1524 – 1576) أحد ملوك السلالة الصفوية، اسم «عربستان» رسميا على هذه المنطقة وهي مفردة فارسية تعني أرض العرب.
ووفق المؤرخين الفرس، كانت مملكة عربستان تُعد إحدى «الممالك المحروسة» الأربع التي تشكل الإمبراطورية الصفوية – وهي: مملكة عربستان، ومملكة لورستان، ومملكة كردستان، ومملكة جورجيا – بل وأهمها.
وقد استقلت مملكة عربستان مرة أخرى في عهد الشيخ سلمان بن سلطان الكعبي لمدة 30 عاما (1737 – 1767) غير أن شوكتها ضعُفت حتى ظهور العائلة الكعبية الثانية (1837 – 1925). وكان أبرز وأهم حكامها الشيخ خزعل بن جابر الذي حكم عربستان وعاصمتها المحمرة لمدة 28 عاما (1897 – 1925). وقد تمتعت عربستان في عهد الشيخ خزعل باستقلال داخلي وحكم ذاتي شبه مطلق، يشبه ما يتمتع به الأكراد حاليا في كردستان العراق. وفيما كانت تعرف في الأدبيات السياسية الفارسية بمملكة عربستان، كان العرب والأجانب يصفونها بإمارة عربستان تارة وإمارة المحمرة تارة أخرى.

المماليك المحروسة

ويمكن الإشارة إلى أن الإمبراطورية القاجارية (1789 – 1925) ورثت «الممالك المحروسة» من الإمبراطورية الصفوية، غير أنه وبعد انفصال جورجيا في أوائل القرن التاسع عشر، أصبحت هناك 6 ممالك ضمن الإمبراطورية القاجارية: مملكة عربستان، ومملكة لورستان، ومملكة كردستان، ومملكة أذربيجان، ومملكة جيلان، ومملكة خراسان.
وكانت ثورة الدستور أو ثورة المشروطة (1906 – 1909) كما وصفها الإيرانيون، انطلاقا لنشوء الدولة – الأمة في إيران. وقد لعبت القوميتان الفارسية والتركية الأذرية، دوراً مفصلياً في تلك الثورة البورجوازية التي كانت معادية لاستبداد شاهات السلالة القاجارية ومشفوعة باتجاهات قومية للطبقة الوسطى الفارسية. لكن جل ما فعلته الطبقة الوسطى للقومية التركية الأذرية – كقومية غير فارسية – أن تدخل مادة في دستور الثورة تؤكد على اسم «الممالك المحروسة الإيرانية» وتمنح الممالك والولايات، نوعا خفيفا من الحكم الذاتي.

رضا خان البهلوي

وخلافا لثورة 1979 لم تشارك الجماهير العربية الأهوازية في ثورة الدستور، لأسباب أهمها أنها بعيدة جغرافيا عن العاصمة طهران، قياساً بأذربيجان، ولم تكن تربطها أي مواصلات حديثة مع طهران آنذاك. وبما أنها كانت إمارة شبه مستقلة، لم يكن لدى سكانها العرب اهتمام خاص بتلك الثورة، لكن رغم ذلك، ساند الشيخ خزعل الثوريين وبعض النواب في البرلمان الوليد ضد السلطة الاستبدادية لآل القاجار ليس حبا بالثورة والحرية والديمقراطية التي كانت تبشر بها الثورة بل استغلالا لضعف السلطة المركزية وللفوضى الناجمة عن تلك الثورة لتعزيز حكمه في عربستان.
كما استغل رضا خان البهلوي بدوره الفوضى الناجمة عن ثورة الدستور ليقضي على السلالة القاجارية ليعلن نفسه ملكا على بلاد فارس التي سماها «مملكة إيران» الشاهنشاهية في العام 1934. وقد أقام الشاه رضا البهلوي (1925 – 1941)، حكما فرديا استبداديا، ضاربا إنجازات الثورة الدستورية عرض الحائط. وقد سحق هذا الشاه الذي كان يحمل أفكاراً فارسية شوفينية، الحكم الذاتي للعرب في عربستان واتسم عهده بانطلاق ما يوصف بالاضطهاد القومي للشعوب غير الفارسية والمستمر حتى اللحظة في إيران؛ إذ حول «الممالك المحروسة القاجارية» إلى «المملكة الشاهنشاهية الإيرانية» تحت شعار «شعب واحد، لغة واحدة، بلد واحد» وهذا يعني تحويل إيران من بلد متعدد القوميات والإثنيات واللغات إلى بلد ذي شعب واحد ولغة رسمية واحدة هي اللغة الفارسية. والأنكى في الأمر، أن دستور 1909 خلافا لدستور 1979، لم ينص على رسمية اللغة الفارسية في إيران، بل اكتفى بأن يكون المذهب الشيعي هو المذهب الرسمي للبلاد.

تحويل «الممالك» إلى محافظات

وقد قام الشاه رضا البهلوي، بتحويل «الممالك» إلى محافظات، وقسم القوميات بين محافظات مختلفة ومزج قوميات متنافرة في محافظات واحدة، كما استخدم الحديد والنار والسجون والقمع لإرساء مملكته المنشودة وتمتع في ذلك بدعم الاستعمار البريطاني ومساندة الطبقة الوسطى والنخبة الفارسية بحجة إنقاذ إيران من التفتيت والتجزئة، لكنه غيّر بوصلته بعد اشتداد عود الحركة النازية في ألمانيا ليتجه إلى هتلر ليتحالف معه. وقد أثار ذلك حنق الحلفاء الذين قاموا بخلعه من العرش في 1941 ونصبوا نجله محمد رضا شاه ملكا على إيران حتى إسقاطه بفعل الثورة الإسلامية في العام 1979.
وخلال العقود التسعة المنصرمة ساد خطاب سياسي وثقافي فارسي، عمل جاهدا على صهر الشعوب غير الفارسية في بوتقة اللغة والثقافة الفارسيتين. وقد لعب الأدب الفارسي الحديث، الذي نشأ في أوائل القرن العشرين، دورا هاما في ترسيخ الدولة – الأمة في إيران، حيث اتسم بعداء بغيض للعرب بلغ حد العنصرية. وهذا ما نشاهده في معظم الكتب التاريخية والاجتماعية والروايات والدواوين التي نشرها باحثون وروائيون وشعراء فرس بارزون. فقد خففت ثورة الشعوب الإيرانية في العام 1979 من وطأة ذلك الخطاب غير أنها لم تقض عليه نهائيا ولم تستأصل الاضطهاد القومي والعنصري في إيران بل زادت منه في بعض الأحيان خاصة في مجال الاضطهاد المذهبي. وأنا كعضو في اتحاد الكتاب الإيرانيين ونقابة الصحافيين الإيرانيين يمكنني القول إن نحو 70 في المائة من أعضاء هاتين المؤسستين يحملون أفكاراً واتجاهات معادية للعرب. وللعلم فإن أعضاءهما يضمان أبرز النخب الأدبية والصحافية في إيران.

أزمة الهوية في إيران

وكانت الثورة الإسلامية، انطلاقة جديدة لعملية وعي قومي بين الشعوب غير الفارسية تجلت أكثر فأكثر خلال العقدين الماضيين بعد قمعها خلال العقد الأول والثاني من عمر الثورة. فأزمة الهوية التي تعيشها إيران والحراك السلمي وغير السلمي الذي تشهده المناطق العربية والكردية والبلوشية والأذرية في إيران تنذر بفشل ما يوصف بالدولة – الأمة الإيرانية. ولذلك يطالب الناشطون من القوميات غير الفارسية بنقد الخطاب القائم على التفريس في البلاد. وقد أخذت بعض النخب الفارسية تتعاطف مع هذا الطلب غير أنها لا تزال واهنة.
ويبدو أن الجمهورية الإسلامية الإيرانية، وهي وريثة إمبراطوريات سابقة، على مفترق طرق: إما الاستمرار بالمركزية الحديدية لصالح قومية مهيمنة على الاقتصاد والسياسة والثقافة على حساب الشعوب غير الفارسية المغلوبة على أمرها، وإما العودة إلى ما كانت عليه من لا مركزية تمثلت في «الممالك» المحروسة كانت سائدة لعدة قرون في إيران. فالطريق الأولى محفوفة بمخاطر عدة منها خطر تقسيم البلاد بل واحتمال وقوع حرب أهلية لا تقل شراسة عما نشهده في سوريا والعراق. غير أن الطريق الثانية التي لا يمكن أن تقام أي ديمقراطية في إيران دونها هي تقسيم السلطة والثروة بين الشعوب الإيرانية بشكل متكافئ وإقامة نظام لا مركزي أسوة بدول متعددة القوميات في العالم كسويسرا والهند وبلجيكا وكندا.