حق كوردستان الجنوبية في اقامة دولة خاصة في ظل القانون الدولي والدستوري

0
991
آسو كريم

الجزء الثاني (الترجمة عن الكردية)2- جق تقرير المصير
2-1: لا أود هنا التطرق الى الخلفية التأريخية لهذا الحق وكيف تطور من مبدأ سياسي الى مبدأ قانوني ومن ثم الى حق قانوني للشعوب كلها. ففي قضية جزر آلاند (1920- 1921) وهي ذات الحكم الذاتي والتابعة لدولة فلندا، «اذ لا تعد اللجنة الدولية للقضاة ولجنة المقررين مبدأ تقرير المصير، مبدأ قانونيا للقانون الدولي، وانما هو مبدأ سياسيا محضا» [5] الا أن تثبيت تقرير المصير كمبدأ في المادة (1/ الفقرة الثانية) والمادة (55) من ميثاق الامم المتحدة [6] له علاقة بمفهوم المساواة بين الدول وحق كل دولة باختيار شكل حكومتها من دون اي تدخل خارجي [7]. أبدت الجمعية العامة للامم المتحدة اهتماما بالغا من خلال قراراتها لتطبيق هذا المبدأ وتجسدت هذه الرغبة في قرارها 421 و قرارها 545 [8] والتي طلبت من لجنة حقوق الانسان بان تضع توصياتها حول الطرق والوسائل التي تضمن هذا الحق. استجابة لهذه الدعوة، تبنت لجنة حقوق الانسان في 1952 صياغة لمبدأ تقرير المصير بحيث تكررت في الوثائق التي تلتها والتي تنص على: «للشعوب والقوميات كلها الحق في تقرير المصير، وبمقتضى هذا الحق فانها حرة في تحديد وضعها السياسي والاقتصادي والاجتماعيى والثقافي» [9].
وفي 1960، فان الجمعية العامة من خلال تبنيها لقراري 1514 و 1541، ادخلت حق تقرير المصير للبلدان والشعوب المستعمرة حيز التنفيذ والتطبيق، ووفق قرار 1654 (في تشرين الثاني 1961) تم تأسيس لجنة خاصة بمناهضة الاستعمار لمتابعة ودراسة تطبيق قرار 1514 الخاص بمنح الاستقلال للبلدان والشعوب المستعمرة ومن ثم بدأت الجمعية العامة بالتأكيد على هذا الحق في قراراتها اللاحقة [10] ونالت عشرات الاقاليم استقلالها السياسي بالاستناد الى هذا القرار وهكذا خطا تقرير المصير خطوة اخرى باتجاه القبول به كمبدأ قانوني والذي تم تثبيته في وثيقة اساسية لحقوق الانسان؛ العهد الدولى الخاص بالحقوق المدنية والسياسية والعهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وفي قسم خاص و في المادة الاولى المشتركة بين العهدين الدوليين وبالصيغة التالية التي تنص على: «لجميع الشعوب حق تقرير مصيرها بنفسها. وهى بمقتضى هذا الحق حرة في تقرير مركزها السياسي وحرة في السعي لتحقيق نمائها الاقتصادي والاجتماعي والثقافي.» [11]
تنص هذه الفقرة بان (لجميع الشعوب حق تقرير المصير…)، بمعنى ان مصطلح – الشعوب- جاء بصورة مطلقة وكما يقال والمطلق يجري على اطلاقه. الا ان في الممارسة الدولية كيف تم تفسيرها والعمل بها شيء آخر، وهناك مساع لحصر كلمة الشعب في اطار معين واضفاء الغموض على مضمون هذ الحق وفق الاعتبارات السياسية ومصالح الدول. ولكن كما هو مبين ان هذ الحق هو للشعوب وليس للحكومات ويؤكد تقرير للجنة حقوق الانسان بان هذ الحق هو حق جماعي [12].
كما أكد مجلس الامن على هذ الحق في عدة قرارات له تتعلق بهذه الدولة او تلك. ففي قرار 384 المؤرخ في 24 كانون الاول 1975 قضية تيمور الشرقية، دعا مجلس الامن«الدول كلها الى احترام السلامة الاقليمية لتيمور الشرقية وكذلك حق تقرير المصير كحق غير قابل للتصرف.» وفى قراره المرقم 2351 المؤرخ في 28 نيسان 2017 يعلن دعمه الكامل لتعهدات الامين العام و ممثله الخاص باتجاه ايجاد حل لقضية الصحراء الغربية للبدء بالعملية التفاوضية بديناميكة وروح جديدة لاحياء العملية السياسية وبهدف الوصول الى حل سياسي مقبول من قبل طرفي القضية لتقرير مصير شعب الصحراء الغربية في سياق ترتيبات تتفق مع مباديء واغراض ميثاق الامم المتحدة.
نظرا لورود تقرير المصير في وثائق عدة قبلتها دول كثيرة، اصبح هذا المبدأ جزءا من القانون الدولي العرفي.
علي اية حال، نرى من خلال تثبيت هذا الحق في عدة وثائق دولية [13] واقليمية، الاوربية [14] منها والافريقية [15] وكذلك في عدة فتاوي واراء استشارية لمحكمة العدل الدولية [16] و المحكمة العليا الكندية وفي آراء الفقهاء [17] ولجنة القانون الدولي [18]، انه حق قانوني للشعوب واصبح قاعدة قانونية آمرة وجزءا من القانون الدولي العرفي وشرطا مسبقا للتمتع باي حق آخر من حقوق الواردة في الاتفاقيات الدولية والاقليمية لحقوق الانسان.
2-2: وفق الوثائق ذات الصلة وكذلك ممارسة الامم المتحدة والدول، على الرغم من كونه مبدأ قانونيا ملزما، يمكننا أن نقول:
2-2-1: ليس هناك جدال فيما يتعلق بحق الاقاليم والشعوب المستعمرة والخاضعة للاجني وسيطرته وكذلك البلدان المحتلة بنحديد مصيرها بنفسها وفق قراري 1514 و 1541 (1960) وقرار 2625 لسنة (1970) [19] سواء أكان نيل استقلالها السياسي التام، او اتحاد حر مع دولة مستقلة اخرى، او اندماج حر في دولة اخرى.
2-2-2: الا أن الوضع يختلف حين يتعلق هذا الحق بشعب يعيش في اطار اقليم دولة مستقلة وذات السيادة وعضوة في الامم المتحدة ولم يصنف الاقليم الذي يسكنه ضمن الاقاليم غير المتمتعة بالحكم الذاتي. فهناك اتجاهان:
2-2-2-1: أن يتمتع هذا الشعب، وفق ترتيبات دستورية وقانونية معينة، بحق تقرير المصير الداخلي ويشمل ذلك اللامركزية الادارية والحكم الذاتي والفدرالية. كما هو الحال في جزر آلاند في فلندا، او فلاندرز في بلجيكا، او الباسك في اسبانيا، او غرينلاند في الدانمارك… ان هذا الاتجاه، مبني على مبدأ الاقليمية وتتعكز عليه دول آسيا وافريقيا وامريكا اللاتينية ومن ضمنها العراق.
2-2-2-2: يحق لهذه الشعوب اسوة بغيرها الحق في الانفصال واعلان استقلالها. يطلق على هذا الجانب بحق تقرير المصير الخارجي. ان هذا التوجه مبني على مبدأ الشعوب والديمقراطية وتتمسك بها الشعوب المضطهدة كالكورد، الكشميريين، التبتيين، الشيشانيين، التاميليين وغيرهم. والشيء الذي يعزز هذا التوجه هو ظهور عدة دول مستقلة في سياق غير استعماري بعد 1990 كالتشيك، سلوفاكيا، مقدونيا، سلوفينيا وكرواتيا ، البوسنة والهرسك، الجبل الاسود، جنوب السودان، كوسوفو…
الا ن الدول، تدعي بان تطبيق هذ الحق وفق هذا التوجه، مناقض لمبدأ السلامة الاقليمية للدول وتهديد لاستقرار النظام الدولي. اذن هناك ازدواجية في الرؤى وكذلك في الممارسة الدولية ازاء هذا الحق ومضمونه ومدى انطباقه على هذا الشعب او ذاك. وبرأي ان هذه الرؤية بالضد من رأي محكمة العدل الدولية: اتخذ حق تقرير المصير وضعية Erga Omnes بالنسبة للمجتمع الدولي كله. [20]