لماذا أصبح قیام الدولة الکردية کابوسا لإیران؟

0
1270
أكرم بالاني

ما أن أعلن الرئيس مسعود بارزاني نیته إجراء استفتاء شعبي ليختار مواطنو كردستان بين البقاء ضمن الدولة العراقية أو الاستقلال، إلا أن أفصح النظام الإيراني عن معارضته الشديدة لهذه الخطوة، بل وقام کبار مسؤولیه بجولات دبلوماسية إلى عدة دول لتحشيد جبهة إقليمية لمنع الشعب الکردي من نیل حقوقه التاریخیة المشروعة المتمثلة بحقه في تقریر مصیره واستعادة أرضه من الدول المغتصبة والتي تشمل إیران باعتبارها الدولة التي تحتل ثاني أکبر جزء من کردستان من حیث المساحة.

لا شك أن قیام الدولة الکردیة لا بل أي تطور إیجابي في القضیة الکردیة وفي أي جزء من کردستان یخیف ویذرع الإیرانیین أکثر من أي جهة أخرى. ولهذا الموقف الإیراني أسباب عدة، أولها عنصریة قومیة بحتة. إذ أن التیار القومي الفارسي الحاکم في إیران یرى العراق إقطاعیة تابعة للإمبراطوریة الفارسیة التي یریدون إنشاءها وأن استقلال إقلیم کردستان الغني بثرواتها الطبیعیة خسارة اقتصادیة کبیرة.

السبب الآخر هو أن الإیرانیین یفهمون جیدا أن استقلال کردستان عن العراق سیقوي الحرکة التحرریة الکوردیة المناهضة لإیران وسيعزز الشعور القومي والنزعة الاستقلالیة لدى الکرد في إیران. فجمهوریة کردستان التي أعلنها الحزب الدیمقراطي الکوردستاني المناهض لإیران في عام 1946 في مدینه مهاباد، مازالت حاضرة في وجدان المواطن الکردي وأن هذا الحزب نفسه قد أعلن قبل عدة أشهر استئناف الكفاح المسلح ضد الدولة الإیرانیة بعد أن مضی أکثر من عقدین علی الهدنة الغیر الرسمیة بین الطرفین.

کذلك سیشجع هذا التصعید الکردي ضد الدولة الإیرانیة، الشعوب الغیر الفارسیة الأخرى في إیران وعلی رأسهم الآذریون والبلوش والعرب في الأحواز الذین یعانون من تمییز واضطهاد عنصري إلی التصعید وتفعیل نشاطاتهم السیاسیة والعسکریة أیضا والتي لا یستبعد أن تصبح إیران في هكذا حال یوغسلافیا جدیدة في المنطقة. إدراك الإیرانیین لهذه الحقائق هي التي جعلتهم یغیرون لهجتهم في الآونة الأخیرة ویصعدون من تصریحاتهم الاستفزازیة ضد حکومة إقلیم کردستان وشخص البارزاني علی وجه التحدید.

أما في الجانب الآخر، فقد أدركت في الآونة الأخیرة بعض الأوساط الغیر الرسمیة العربیة ‌هذه الحقائق وتوصلت إلی قناعة مفادها أن کردستان المستقلة ستکون خنجرا في خاصرة النظام الإیراني وهذا ما جعل بعض الحکومات العربیة وإلی حد کبیر الدولة الترکیة أن ترفع الفیتو ضد قیام الدولة الکردیة في المنطقة.

لکن الأهم أن لا تتهاون الأنظمة العربیة الرسمیة هذه المرة وأن لا تفوتهم هذه الفرصة في دعم الدولة الکردیة التي حتما ستقام، لأن هذا الدعم العربي سيجعل الجانب الکردي أن یتغاضی عن الخلافات والصراعات الماضية ویفتح صفحة جدیدة مع جیرانه العرب. إذا حضیت الدولة الکردیة الجدیدة بدعم عربي رسمي، فإن ذلك بلا شك ستکون الخطوة العملیة الأولی نحو إنشغال الإیرانیین بخلافات داخلیة ووضع حدا لتمددهم الغیر الشرعي في العالم العربي ومحاصرة المنطقة ذات الغالبیة الفارسیة في إیران من کل الاتجاهات وأن هذا سیصب في مصلحة الأمن القومي العربي.

کمواطن کردي وکمهتم ومراقب للشؤون الإیرانیة العربیة الکردیة، أرى أن أمام العرب فرصة تاریخیة للجعل القضیة الکردیة البوابة الرئیسیة للتعامل بالمثل مع إیران وجعل الدولة الکردیة القادمة بدايه لتقسیم إیران وإنهاء حلم التیار القومي الفارسي نهائیا!

أما إذا ما ضاع العرب هذه الفرصة التاریخیة، فلیس من حق أحد ان یلوم القیادة الکردیة إذا ما بحثت عن خیارات أخرى وأصبحت حلیفا لأي جهة بما فیها إسرائیل والنظام الإیراني نفسه لتحقیق هذا الحلم الکردي الذي یعتبر حقا مشروعا وفق شرائع السماء والأرض.